القديس العظيم الانبا باخوميوس أب الشركـة :. |
إن كان القديس أنطونيوس الكبير يُعتبر أب الأسرة الرهبانية، بكونه أول قائد للحركة الرهبانية في العالم، تتلمذ على يديه متوحِّدون عاشوا في مغائر أو قلالي منفردة حوله، كما كان مرشدًا لعددٍ كبيرٍ من قادة الحركة الرهبانية في مصر وخارجها، فإن القديس باخوميوس يُعتبر أب نظام الشركة. إنه أول أب يشيد ديرًا يضم داخل أسواره جماعة رهبانية تعيش في حياة الشركة في عبادتها وكل تصرفاتها
اعتناقــه المسيحية ورهبنتــــه : كان والدُُه من الصعيدِ الأعلى عابداً للأصنامِ. ففي ذاتِ يومٍ تجنَّد باخوميوس ضمن جنودِ الملكِ. فحدث بينما كانوا مسافرين وهم بحالٍ سيئةٍ للغايةِ، أن أتاهم قومٌ مسيحيون من إسنا بطعامٍ وشرابٍ في المعسكر. فسأل باخوميوس: «كيف أمكن لهؤلاء الناسِ أن يتحنَّنوا علينا وهم لا يعرفوننا قط»؟ فقيل له: «إنهم مسيحيون، وإنهم يفعلون ذلك من أجلِ إلهِ السماءِ». فلما سمع باخوميوس هذا الكلامَ قرَّر في نفسِهِ أنه لو أُتيحت له فرصةٌ يصيرُ مسيحياً ويخدم المحتاجين. وبتدبيرِ اللهِ غلب الملكُ أعداءَه وأصدر أوامرَه بتسريح الجنودِ. فرجع باخوميوس وتعمَّد. وبعد ثلاث سنين ترهبن عند راهبٍ قديس اسمه بلامون.
اقامتــه نظام الشركــة :ولوقته شَرَعَ في إقامةِ شركةٍ حتى يساعدوا بعضُهم بعضاً، ويقوموا بإعالةِ المحتاجين والضعفاء. فاجتمع إليه كثيرون وبنوا أديرةً واتخذوا لهم عيشةً مشتركةً. وكان القديسُ يرسل لهم قانونَ العبادةِ وشُغلَ اليدِ والتصريفَ اللائق، ويدبِّرهم في الجلوسِ والقيامِ والسكوتِ والكلامِ. ويتشدد في ذلك إلى أبعدِ حدٍ. ولقد كان لخدمته العسكرية أثر كبيراُ فى حياته اذ تدرب فيها على الطاعه والعمل اليدوى والحياة المشتركــة ،
وقد تضمن تنظيـــم حياة الشركة وتدبيره للأباء الرهبان جميع هذة النواحى العملية .
وفيما يلى تطبيقات عملية لبعض قوانين الرهبنة التى نظمها القديس : |
1- كان مفروضاُ على طالب الرهبنة أن يعرف معنى الرهبنة :الرهبنة هــــــــــــــى : الصوم بمقدار والصلاة بمدوامة وعفة الجسد وطهارة القلب وسكون اللسان وحفظ النظر والتعب بقدر الأمكان والزهد فى كل شىء .
2- النـــــــــوم :كان القديس باخوميوس يديم الصلاة بنسك زائد وسهر واذا اراد أن يرقد لم يكن يرقد ممتداُ ولا على مصطبة بل كان يجلس مستنداً الى الحائط وكان هكذا فى زهد دائم ويحزر اولاده من شيطان الزنى
الذى يأتى للراهب الراقد على فراشة ممتداُ براحة .
3- العمل اليدوى : وهذا ما كان راهب أو رئيس رهبنة ليعفى منه وعليه فلقد كان انبا باخوميوس يشاطر رهبانه أعمالهم اليدوية ويخرج معهم الى الحقول لمزوالة الزرع والحصاد ويحمل مؤونتة بنفسة أسوة بهم .
قيل عن القديس باخوميوس: إنه مضى دفعةً في أمرٍ مع الإخوةِ وكان ذلك الأمرُ يحتاج إلى أن يحملَ كلُّ واحدٍ منهم كميةً من الخبزِ. فقال له أحدُ الشبانِ:
«حاشاك أن تحملَ شيئاً يا أبانا، هوذا أنا قد حملتُ كفافي وكفافك». فأجابه القديسُ: «هذا لا يكون أبداً. إن كان قد كُتب من أجلِ الربِ أنه يليقُ به أن يتشبّهَ بإخوتهِ في كلِّ شيءٍ، فكيف أُميِّزُ نفسي أنا الحقير عن إخوتي حتى لا أحملَ حملي مثلهم. وهذا هو السببُ في أن الأديرةَ الأخرى كائنةٌ بانحلالٍ لأن صغارَهم مستعبدون لكبارِهم وليس من اللائقِ أن يكونَ هذا، لأنه مكتوبٌ: من يريدُ أن يكونَ كبيراً فيكم فليكن لكم عبداً».
4- العقـــــــــــــــاب : واذ كان العقاب ضرورة لابـــــد منها فى حياة الشركة كان يوبخ للهفوات البسيطــــة .
قال القديس باخوميوس: «اسمع يا ولدي وكن مُتأدِّباً واقبل التعليمَ. كن مطيعاً مثلَ إسحق الذي سمع لأبيهِ وأطاعه كخروفٍ ساذجِ القلبِ، وتشبَّه بعفةِ يوسف وحكمتِهِ وصبرِه واحسد سيرتَه وكن عَمّالاً ولا تكسل، وتمم نذرَكَ الذي قرَّرتَه مع اللهِ خالقك وربِك. كن صبوراً وتجلَّد لأن القديسين صبروا فنالوا المواعيدَ. كن واسعَ القلبِ لتُكلَّل مع عساكِرِه الأطهار. داوم على الصومِ وصلِّ ولا تمل واصبر للبلايا حتى يرفعها الربُ عنك. اجعل السلامَ بينك وبين إخوتِك فيسكنَ الربُ في قلبِك. الزم البكوريةَ في أعضائك والطهارةَ في قلبِك وجسدِك. ليكن رأسُك منكَّساً ونظرُك إلى أسفل، واتضع بقلبِك واهزم الكبرياءَ وابتعد عن الهمِّ. التصق بمخافةِ اللهِ وكن متواضعاً لتكونَ فرحاً.
لأن الفرحَ رفيقُ الاتضاعِ. كن متضعاً ليحرسَك الربُ ويقويك. فإنه يقول إنه ينظرُ إلى المتواضعين. كن وديعاً ليحكّمك الربُ ويملأك معرفةً وفهماً، لأنه مكتوبٌ: إنه يُهدي الودعاءَ بالحكمِ ويعلم المتواضعين طرقَه. وحينئذ يثبتك أمامه ويهيئ لك السلامةَ في جميعِ سبلِك. لا تُعطِ لعينيك نوماً ولا لأجفانِك نعاساً لتنجوَ من الفخِ مثل الطائرِ. كن قويَ القلبِ واقتنِ لك شجاعةً منذ الابتداءِ لتقدرَ على الوقوف قبالة غضبِ التنين. لأنه يُصعِّب قتالَك منذ الابتداءِ لا سيما إذا وجدَك غيرَ مستعدٍ لمقاومتهِ وذلك ليجعلَك جزعاً من أولِ الطريقِ،
كي لا تستطيعَ الوصولَ إلى منتصفِها. لا تحتقر أحداً من الناسِ ولا تدينه ولو رأيتَه ساقطاً في الخطيةِ، لأن الدينونةَ تأتي من تعاظمِ القلبِ، أما المتضعُ فإنه يَعتبرُ كلَّ الناسِ أفضلَ منه. فبأيِّ حقٍ تدينُ عبداً ليس لك، فإن سقط فلربِهِ، وربُه قادرٌ أن يُقيمَه. إن كنتَ غريباً فاعتكف ولا تدخل عند أحدٍ ولا تختلط بصنائعِ الدنيا. وإن كنتَ بائساً فداوم على العملِ بدونِ مللٍ. أحبَّ الذي يؤدِّبك بخوفِ اللهِ. واجعل جميعَ الناسِ يستفيدون منك وابنِهِم بفضائلِ الأعمالِ والكلامِ الصالح».
وقال أيضاً: «يا ابني إذا جعلتَ توكُّلَك على اللهِ فإنه يصيرُ لك ملجأً ويخلِّصك من جميعِ شدائدك. إن سلَّمتَ كلَّ أمورِك إلى اللهِ فآمن أنه قادرٌ أن يُظهرَ عجائِبَه لقديسيه. جميعُ المعلمين والآباء والكتبُ المقدسة تأمُرُ بالصبرِ الكثير وتُحِثُّ عليه. وانظر لأيِّ درجةٍ حتى اللعابَ الذي ييبس في فمِك وأنت صائمٌ لا ينساه الله. وتجد ذلك عند شدَّتِك في وقتِ انتقالك. اتضع في كلِّ شيءٍ وإذا كنتَ تعرفُ جميعَ الحكمةِ فاجعل كلامَك آخرَ الكلِّ، لأنك بذلك تكمِّلُ كلَّ شيءٍ. تقبَّل كلَّ التجاربِ بفرحٍ، عالماً بالمجدِ الذي يتبعُها، فإنك إن تحققتَ من ذلك فلن تملَّ من احتمالها. لدرجةِ أنك تطلبُ من اللهِ أن لا يصرفها عنك.
جيدٌ لك أن تتنهدَ وتبكي فتخلص، لأن الراحةَ تضرُّك وتفرِّح أعداءَك. لا تترك قلبَك يُسبى مع الغرباءِ لئلا يقال لك: لأنك لم تثق بالربِ فأقم الآن في أرضِ العبوديةِ. لا تُخلِ قلبَك من ذِكرِ اللهِ أبداً لئلا تغفل قليلاً فيظفرَ بك الأعداءُ المترصدون لاصطيادك، بل اغلبهم بتركِ الكبرياء واحذر من طلبِها لئلا تُفرِّح أعداءَك. اسلك طريقَ الاتضاع لأن اللهَ لا يردُّ المتواضع خائباً. لكنه يُسقط المتكبرَ وتكون سقطتُه شنيعةً.. إذا ضَعُفتَ عن أن تكون غنياً باللهِ فالتصق بمن يكونُ غنياً به لتسعَد بسعادتِه وتتعلم كيف تسيرُ حسبَ أوامرِ الإنجيل. ما أكثر فخر الصابرين على التجارب، فكن صبوراً وقاتل جميعَ أفكارِك ليعطيكَ المسيحُ المواعيدَ التي أعطاها للقديسين.
احفظ نفسَك من الشهوةِ فهي أمُّ جميعِ الخطايا والشِباك، والمُقتنَصُ بها يَضِلُّ عقلُهُ فلا يعود يعلمُ شيئاً من أسرارِ اللهِ. احرس نفسَك من الامتلاءِ بالطعامِ، لأن الطريقَ المؤديةَ إلى الحياةِ كربةٌ، والبابَ ضيقٌ، والامتلاءَ يجعلُك خارجَ الجنةِ. إياك والنجاسة فهي تفصلُ الإنسانَ عن اللهِ. احذر من تكبر القلبِ لأنه أشنعُ الرذائلِ كلِّها. تيقَّظ بكل قوتِك كي تكونَ أميناً على مالِ سيدِك وتدخلَ إلى ملكوتِهِ بفرحٍ، له المجد دائماً أبدياً آمين».
وقال أيضاً: «سألني أحدُ الإخوةِ مرةً قائلاً: قل لنا منظراً من المناظر التي تراها لنستفيدَ منه. فأجبته قائلاً: إن من كان مثلي خاطئاً لا يُعطَى مناظر، ولكن إن شئتَ أن تنظرَ منظراً بهياً يفيدُك بالحقِ فإني أُدِلُّكَ عليه وهو: إذا رأيتَ إنساناً متواضعَ القلبِ طاهراً فهذا أعظمُ من سائرِ المناظر. لأنك بواسطتهِ تشاهدُ اللهَ الذي لا يُرى. فعن أفضلِ من هذا المنظرِ لا تسأل».
وقال أيضاً: «يا ابني، في كلِّ شيءٍ اطلب اللهَ بطولِ روحٍ مثل الزارع والحاصد فإنك تملأ أهراءَك من نِعمِ اللهِ. ارفض إرادتَك بالكليةِ وافلح للهِ بكلِّ قدرتِك. إذا جاءك فكرٌ بخصوصِ حبِّ الأجسامِ أو بغضٍ أو غضبٍ أو أيِّ رذيلةٍ من الرذائلِ، فكن قويَ القلبِ، وقاتل كالجبارِ حتى تهزمها مثل عوج وسيحون وباقي ملوك الكنعانيين، وحينئذ ترثُ جميعَ مدنِ أعدائك. اطرح عنك ضعفَ القلبِ لئلا يتملكك الكسلُ وقلةُ الإيمانِ فيطمع فيك أعداؤك. اجعل قلبَك كقلبِ سَبْعٍ واصرخ كبولس وقل: من ذا الذي يستطيعُ أن يفصلني عن محبةِ اللهِ ربي؟ إن كنتَ في البريةِ فقاتل بالصلواتِ والتنهدِ والصوم،
وإن كنتَ في وسطِ الناس فكن وديعاً كالحمامِ وحكيماً كالثعبانِ. إن افترى عليك أحدٌ فلا تفتَرِ أنت عليه. بل افرح واشكر اللهَ. وإذا أكرمك إنسانٌ فلا يفرح قلبُك، بل احزن، لأن بولس وبرنابا لما أكرمهما الناسُ شقَّا ثيابَهما. وبطرس وباقي الرسل لما افتروا عليهم وجلدوهم فرحوا لأنهم حُسبوا أهلاً لأن يُهانوا من أجلِ الاسمِ الأعظم. يا ابني اهرب من مجدِ الناسِ ومن جميعِ ملذاتِ الدهرِ الحاضر، ولا تَكسَل، ولا تؤجِّل التوبةَ لئلا يفاجئك المُرسَلون ويأخذونك وأنت غيرُ مستعدٍ فتصيبك شدةٌ عظيمةٌ وتعاين حينئذ الوجوهَ الشنيعةَ التي تحيطُ بك بقسوةٍ وتمضي بك إلى المنازلِ المظلمةِ المملوءة فزعاً ونيراناً. لا تحزن إذا افترى الناسُ عليك، بل بالحري احزن إذا أخطأتَ إلى الله. لقد طلبتْ حواءُ مجدَ الألوهيةِ فتعرَّت من المجدِ الإنساني. كذلك من يلتمسُ مجدَ الناسِ يُحرم من مجدِ اللهِ. تلك لم يُكتب لها كتبٌ، ولا رأت مثالاتٍ فاختطفها التنينُ،
أما أنت فقد علمتَ بهذه الأمورِ من الكتبِ المقدسةِ ومن كافةِ الذين تقدموك، فلن تستطيعَ أن تدافعَ عن نفسِك وتقول: لم أسمع. لأن أصواتَهم خرجت إلى كلِّ الأرضِ وكلامَهم بلغ إلى أقصى المسكونةِ. إذا رذلك الناسُ وافتروا عليك فلا تحزن لأن ربَك دُعيَ ضالاً وبعلزبول وبه شيطان ولم يتذمر. فاقتنِ لك وداعةَ القلبِ واذكر أن ربَّك وإلهَك سِيقَ كخروفٍ للذبحِ ولم يفتح فاه، له المجد إلى الأبدِ».
قيل إنه في أحدِ الأيامِ سمع الأبُّ باخوميوس أحدَ الإخوةِ يخاطبُ صبياً قائلاً: «الآن أوانُ العنبِ». فانتهره الأبُ قائلاً: «هو ذا أجسادُ الأنبياءِ الكذبةِ قد ماتت، ولكن أرواحَهم الآن تطوفُ بين الناسِ تلتمسُ مسكناً فيهم. وأنت الآن لماذا أعطيتَ للشيطانِ موضعاً كي يتكلمَ من فيك. أما سمعتَ الرسولَ قائلاً: كلُّ كلمةٍ رديئةٍ لا يجب أن تخرجَ من أفواهِكم، بل لتخرج كلُّ كلمةٍ صالحةٍ لبناءِ الجماعة، لكي تعطيَ السامعَ نعمةً. ألا تعلم أن الكلمةَ التي قُلتَها لا تبني رفيقَك بل تهدمه. ولماذا نطقتَ بها؟ ألم يُكتب: نفسٌ بنفسٍ؟ ألم تعلم أن نفسَك تؤخذُ عِوضاً عن نفسِه. فإني الآن أشهدُ لكم أن كلَّ كلمةٍ بطالةٍ أو استهزاءٍ أو لعبٍ أو مزاحٍ أو جهلٍ هذه كلها زنى للنفس.
ولكي أبينَ لكم مقدارَ غضبِ اللهِ الذي يكونُ على ذلك الإنسانِ الذي يتكلمُ بالكلامِ البطالِ وبكلامِ الاستهزاء، أقول لكم المثلَ الآتي: دعا رجلٌ غنيٌ أناساً إلى وليمةٍ لكي يأكلوا ويشربوا ويفرحوا. وفي أثناءِ الوليمةِ قام بعضُ المتكئين يمزحون، فكسروا الأواني الموجودةَ في بيتِ ذلك الغني. تُرى ماذا عمل الغني؟ إنه غضب عليهم ووبخهم قائلاً: يا عديمي الشكر، لقد دعوتُكم لكي تأكلوا وتشربوا، فكيف تمزحون وتكسرون الأواني؟ هكذا يغضبُ الربُّ على أولئك الذين دعاهم لدعوتِهِ قائلاً لهم: دعوتُكم لكي تتوبوا عن خطاياكم وتخلصوا، ولكنكم هدمتم نفوسَكم ونفوسَ الذين جمعتُهم لي ليخلصوا، بالضحكِ والكلامِ الباطلِ».
وقال أيضاً: «يا بُني، لا تميز موضعاً عن موضعٍ قائلاً: سوف أرى اللهَ هنا أو سوف أراه هناك، لأن اللهَ في كلِّ موضعٍ. لأنه يقول: أنا أملأُ السماءَ والأرضَ. إن أحببّتَ أن تعبرَ مياهاً كثيرةً فاحذر لئلا تغمرك. لا تفتش على اللهِ لئلا تُتلف حياتَك. احفظ القدسَ فقط فهوذا اللهُ داخلك. انظر أين كان اللصُ فورث الجنةَ، أو أين كان يهوذا فاستحقَّ المشنقةَ، أو كيف حُسِبت الزانيةُ مع الأطهارِ، أو كيف أَغوى الشيطانُ حواء في الفردوس، أو كيف أُصعد إيليا إلى السماءِ، أو كيف سقطت الملائكةُ من هناك. فاطلب ولا تكسل. اطلب اللهَ فتجدَه. لا تقضِ أيامَك بالتواني، كما مرَّ العامُ الماضي كذلك هذا العام. وكما مرَّ أمسُ كذلك اليوم. فإلى متى تكسل؟ استيقظ وأيقظ قلبَك قبل أن يوقِفَك مُكرهاً في يومِ الحكمِ لتعطي الجواب عن جميعِ ما صنعتَ. إن صرتَ في حربِ الموتِ لا تجزع، فإن روحَ الله يُنقذُك. لأنه مكتوب: إني لا أخشى شراً لأنك معي».
وقال أيضاً: «يا ابني لا تسكن حيث توجد امرأةٌ لأن هُوَّةَ الهلاكِ كائنةٌ في شفاهِه، وإن تملَّقك الجسدُ قائلاً: إننا منذ زمانٍ طويلٍ قد تحنَّكنا بالتجربةِ، أو إنني قد صرتُ ضعيفاً أو عجوزاً، أو إن الحزنَ والصومَ قد أذلني ولا أستطيعُ مخالفة أمرك. فإياك أن تغترَّ به، لأن الأعداءَ داخله يَكمُنونَ لك، لئلا يَحلِقونَ شعرَ رأسِك أي أفكارَ عقلِك، فيفارقَك روحُ الله وتضعف قوتُك، فيأتي الغرباءُ ويربطونك ويذهبون بك إلى موضعِ الطحنِ حيث تُصبحُ أضحوكةً وألعوبةً، فيقلعون عينيك ويصيِّرونك أعمى لا تعرف طريقَ الخلاصِ. ولن تنفكَّ من أسرِك حتى تموتَ عند الغرباءِ بحزنٍ عظيم. فالآن يا ابني استيقظ واعرف مواعيدك واهرب من القاسي القلب الغاش لئلا يقلع عيني عقلك. تحفَّظ من الزنى واذكر العذابَ المعدَّ للدنسين. اهرب من مصرَ ولا تشرب مياهاً من جيحون التي هي الأفكارُ العاهرة. إذا أحببتَ الأطهارَ فإنهم يكونون لك أصدقاءً ومعهم تصل إلى مدينةِ الله المملوءة نوراً».