† منتدى القديسة مارينا أميرة الشهيدات †
† منتدى القديسة مارينا أميرة الشهيدات †
† منتدى القديسة مارينا أميرة الشهيدات †
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

† منتدى القديسة مارينا أميرة الشهيدات †

منتدى قبطى - أفلام وترانيم وألحان وتسبحة وكليبات ترانيم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سفر نشيد الانشاد تابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مونيكا
محارب شياطين جديد
محارب شياطين جديد
مونيكا


انثى
عدد الرسائل : 25
العمر : 35
العمل/الترفيه : طالبه
المزاج : عادى
تاريخ التسجيل : 10/06/2010

تفسير سفر نشيد الانشاد             تابع Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سفر نشيد الانشاد تابع   تفسير سفر نشيد الانشاد             تابع I_icon_minitimeالخميس 10 يونيو - 17:20



[size=29]

المسيا الملك

أما وقد شبه العريس كنيسته بفرسه في مركبات الخلاص، يقودها بنفسه، ويجتاز بها إلى ملكوته، فإن الكنيسة أيضًا تتطلع إليه كملك حارب عنها واتحد بها ليقيمها ملكة تجلس عن يمينه.

ناردين الملكة :

"مَا دَامَ الْمَلِكُ متكئًا على مائدته أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ" [١٢].
إذ ملك ربنا يسوع المسيح بالصليب، ساكبًا حياته من أجلها، تقدمت الملكة إليه ترد الحب بالحب، فتقدم حياتها ناردينًا خالصًا، تسكبه عليه، فتفوح رائحته حيثما يكرز بالإنجيل.
على مائدة الرب أو مذبحه يلتقي الملك بالملكة، فتُقدم الملكة ذبيحة الملك نفسه، رائحة ذكية مقبولة لدى الآب، وتُحسب ذبيحته ذبيحتها، ورائحته ناردينها! لأن كل ما قدمه الملك على الصليب إنما قدمه باسم الكنيسة ولحسابها. لهذا أُعطى للملكة أي الكنيسة أن تُقدم ذات ذبيحته، كرائحة ناردين حب الملك للملكة وحب الملكة للملك.
هكذا يتطلع القديس أغسطينوس إلى ذبيحة الملك فيراها بعينها ذبيحة الملكة، إذ يقول[31]:
[أنتم فوق المائدة! أنتم داخل الكأس!.
هذا ما تقدمه الكنيسة خلال سرّ المذبح! وإذ هي ترفع القرابين لله تقدم نفسها له قربانًا!
هذه الذبيحة العظيمة القدر، السامية، هي نحن أنفسنا!].
يقول أيضًا[32]: [ما دامت الكنيسة هي جسد ذاك الذي هو الرأس فأنها تتعلم أن تقدم نفسها (تقدمة) خلاله].
هكذا ما دام الملك متكئًا على مائدته، تجتمع به الملكة، فتظهر فيها رائحة معرفته (٢ كو ٢: ١٥)، تُقدم ناردين حبها له، وتبذل حياتها من أجله، كما بذل حياته عنها... فتدخل معه إلى المرّ، قائلة:
"صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي (ابن أختي) لِيّ. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ" [١٣].
إن كان قد تألم لأجلها ومات فإنها تتقدم إليه بالمرّ الذي يُستخدم في دهن المسحة وفي الأطياب... تدخل معه إلى القبر تحمل المرّ لتكفين جسده.
لقد أدركت الملكة أن عريسها هو الملك "قاهر الموت" لا يستطيع القبر أن يمسك به ولا أبواب الهاوية أن تحجبه... عرفته أنه "القيامة" واهب الحياة، فأعدت له مرًّا في داخلها حتى يدخل إليها في قلبها، الذي صار قبرًا جديدًا... هناك بين ثدييها يبيت ليدخل إلى قبره المقدس، حيث لا تشتم فيه رائحة موت، بل ناردين ومرّ، ويتحول القبر إلى هيكل مقدس، يعلن الله فيه ويسكن.
ويلاحظ في هذه الدعوة التي توجهها الملكة للملك الآتي:
1. لا تُقدم الملكة المرّ بأية طريقة كانت وإنما تحزمه وتغلق عليه "صرة المرّ"، وكما يقول العلامة أوريجانوس[33]: [بهذا لا تتشتت رائحة المرّ خارجًا، بل تبقى في الداخل فتكون رائحته أطيب وأقوى، عندئذ يقطن الملك في قلبها حيث يجد راحته، ويسكن في حضنها].
2. استخدمت الملكة عبارة "صرة المرّ حبيبي ليّ"، لأنه بحسب الشريعة كل شيء غير مربوط أو مغلق يكون دنسًا (عد ١٩: ١٥)، والنفس التي تلمس ما هو دنس تتدنس. أما يسوع فليس فيه عيب قط، بل كل ما فيه طاهر ونقي... تتلامس معه النفس فتتقدس.
ويرى العلامة أوريجانوس أن عبارة "صرة نقطة المرّ" تُشير إلى تعاليم الكنيسة الخاصة بالتجسد الإلهي، التعاليم التي تربط بالحق وتحزمه، فلا يتسرب إليها هرطقات. أما النفس التي تلمس الهرطقات – التعاليم غير المربوطة – فتصير دنسة.
3. يرى العلامة أوريجانوس أن التعبير هو "صرة نقطة المرّ"... فإن الله الكلمة غير المحدود صار بتجسده "كنقطة"، مخليًا ذاته حاملاً طبيعتنا.
4. يرى العلامة أوريجانوس أيضًا أن كلمة "حبيبي" هنا هي "ابن أخي" أو ابن أختي My Nephew، ولما كان المتحدث هنا هو كنيسة الأمم، فإن جماعة الأمم تمثل أختها البكر في التعرف على الله، وقد جاء السيد المسيح من اليهود حسب الجسد (رد ٩: ٣–٥). فتقول الملكة "صرة نقطة المرّ ابن أختي ليّ" إنما يُشير إلى ميلاد السيد المسيح حسب الجسد.
5. لم تقل الملكة "في قلبي يبيت" بل بين ثديي يبيت، ولعل هذا التعبير مأخوذ عن العادة القديمة أن تعلق الزوجة في عنقها سلسلة بها صورة مصغرة لزوجها الغائب علامة حبها وولائها له، إذ تستقر الصورة على صدرها[34].
وكما أن للملك ثديان هما "العهد القديم والعهد الجديد"، بهما تتغذى كنيسته فأن الملكة لها ذات الثديان. فإن كتاب الله إنما هو كتاب الكنيسة، يفرح الرب حين يجد كنيسته تقدم للعالم كلمته غذاء للنفوس. بهذا المفهوم كتب القديس چيروم للراهب باماخيوس Pamachius يشجعه على دراسة الكتاب المقدس قائلاً: [أعطه ثدييك ليرضع من حضنك المثقب، وليسترح في ميراثه (مز ٦٨: ١٢)].
6. أخيرًا تدعوه أن يبيت بين ثدييها وكأنها تقول له مع هوشع النبي: "أنيّ أعزل زناي عن وجهي وفسقي من بين ثديي" (هو ٢: ٢) حتى تجد لك مسكنًا في أيها القدوس. لتدخل وتبت الليل كله، فأنيّ ما دمت في ظلمة هذه الحياة الزمنية أحتاج إليك... لتدخل حتى يفيح نهار الأبدية. لتبت بين ثدييّ، فأخفيك يا إلهي داخلي، لن أخليك، فليس ليّ غيرك!.

الطاقة الفاغية :

"طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي (ابن أختي) لِيّ فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ" [١٤].
الطاقة الفاغية هي حزمة زهر الحناء، التي تطبق العروس يدها عليها طوال الليلة السابقة لزفافها حتى تصير في الصباح حمراء، ذات رائحة طيبة، وبهذا تتهيأ لعريسها[35]، وقدت أمتازت عين جدي[36] بالحناء الطيبة الرائحة.
إن كان الملك يمسك بصليبه كصولجان ملكه، فإن الملكة تمسك بعريسها في يدها وتطبق عليه فترتسم سماته وعلامة ملكه عليها... أي تحمل اللون الأحمر. إنها لن تكون ملكة ما لم تحمل علامات الصلب والبذل، وتصير حمراء كعريسها. هذا هو سرّ قوتها، وسرّ عرسها وجمالها... لهذا يناجيها الملك قائلاً:
"هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي،
هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ،
عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ" [١٥].

سرّ جمالها :

للمرة الثانية يدخل العريس الملك في حوار مع عروسه. في المرة الأولى كان يحثها أن تتعرف على ذاتها وتدرك أنها "الجميلة بين النساء" [٨]، أما الآن فهو يُناجيها مؤكدًا لها: "ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة". وهنا كلمة "حبيبتي" جاءت "القريبة مني My Neighbor" وكأنه يقول لها أن سرّ جمالها هو اقترابها إليه، بعد أن أقترب هو منها ونزل إليها. في هذا يقول القديس مار أفرام السرياني في ليلة عيد الميلاد[37]: [إنها ليلة جميلة، فيها جاء من هو جميل، وجعل الكل جميلاً]. أما تكرار الملك لقوله "ها أنت جميلة" فيؤكد إعجابه بها... هنا يخلط المُلك بالعُرس، والجهاد بالجمال، والتقدير والاحترام بالحب.

العينان الحمامتان :

1. يرى السيد المسيح الملك في الكنيسة جمالاً لا يشيخ، سرّه العينان الحمامتان، فقد حلّ فيها الروح القدس – الذي يظهر على شكل حمامة – ووهبها إستنارة داخلية أو بصيرة روحية.
يقول العلامة أوريجانوس[38]: [تُقارن عيناها بالحمامتين بالتأكيد لأنها قد صارت الآن تفهم الكتب المقدسة حسب الروح وليس حسب الحرف. صارت تدرك الأسرار الروحية في الكتب المقدسة، لأن الحمامة رمز للروح القدس. متى فهمنا الناموس والأنبياء بطريقة روحية يصير لنا العينان الحمامتان. لهذا ففي سفر المزامير اشتاقت نفس ما أن يكون لها جناحي حمامة (مز ٦٧: ١٤)، لعلها تقدر أن تطير إلى فهم الأسرار الروحية وتستقر في ساحات الحكمة].
مرة أخرى يلخص العلامة أوريجانوس تفسير هذه العبارة، قائلاً: [إنه يقول "عيناك حمامتان" تنظران وتدركان بطريقة روحية].
مرة ثالثة يؤكد العلامة أوريجانوس أن عيني الحمامة تُشيران إلى القلب العفيف النقي، الذي يستطيع أن يتطلع إلى كلمة الله بفهم روحي، قائلاً: [من له عينا الحمامة يرى الحق ويستحق الرحمة... "يرى ذلك المستقيمون ويفرحون" (مز ١٠٧: ٤٢). من هو هذا الذي يرى الحق إلاَّ صاحب النظرة العفيفة النقية؟ هذا الأمر لا ينطبق على العينين الجسديتين بل على عيني القلب. فلتدخل إلى العمق، ولتبحث بروحك عن عينين أخريتين تستمدان نورهما من وصايا الله... لأن وصية الرب مضيئة تنير العينين (مز ١١٨: ٩). من له العين البسيطة يستطيع أن يدرك الروح النازل من السماء على شكل حمامة...].
يقول أيضًا القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [عندما تكون حدقة عيني الإنسان نقية يمكنك أن تُعاين فيهما وجوه المتطلعين إليهما. هكذا يُمدح جمال عيني العروس بسبب صورة الحمامة (الروح القدس) التي تظهر فيهما، إذ يحملان في داخلهما صورة لما تتطلعان إليه. فالإنسان الذي لا يعود يتطلع إلى الجسد والدم، بل بالحري يشخص إلى حياة الروح كقول الرسول، فيحيا ويسلك بالروح، فبقتله أعمال الجسد بواسطة الروح لا يعود بعد يكون إنسانًا طبيعيًا أو جسدانيًا بل روحيًا تمامًا. من أجل هذا يمدح العريس النفس التي تحررت من الشهوات الجسدية، بقوله أن صورة الحمامة تظهر في عينيها، بمعنى أن انطباعات الحياة الروحية تنير داخل صفاء النفس].
2. تُشير العينان الحمامتان إلى النفس البسيطة التي سرعان ما تعترف بخطيتها وتأتي إلى الرب في توبة صادقة، كقول النبي حزقيال: "يكونون كالحمام يهدرون كل واحد على إثمه" (حز ٧: ١٦).
3. العينان البسيطتان تُشيران إلى بساطة القلب في التعامل مع الآخرين، كقول الرب "كونوا بسطاء كالحمام". ويعلق القديس أغسطينوس[39] على هذا القول الإلهي هكذا: [لاحظ كيف يحفظ الحمام حياة الحب، فإنه حتى إن تنازع، ففي بساطة لا يفترقون عن بعضهم البعض].
4. يقول القديس أمبروسيوس أن السيد المسيح يرى كنيسته دائمًا كحمامة، إذ يراها في المعمودية تلبس الثوب الأبيض الذي بلا دنس. تُحطم كل ظلمة في المياه، وتصير عيناها حمامتين لأن الروح القدس ينزل من السماء على شكل حمامة.
5. أخيرًا إذ تصير عينا المؤمن في المعمودية كحمامتين، إنما تصير حياته كلها كحمامة، لأنه "إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا" (مت ٦: ٢٢-٢٣)، هكذا يستنير الجسد كله، ويصير الإنسان كحمامة نوح تنطلق بالروح القدس إلى داخل الفلك، لتكون دومًا في أحضان نوح الحقيقي!

سرّ الوحدة :

إذ صار للنفس عيني حمامة، تتطلع إلى أسرار الله بالروح القدس، وتدرك جمال عريسها، تدخل معه في اتحاد أعمق... إذ تُناجيه، قائلة:
"هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي (ابن أختي) وَحُلْوٌ،
وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ.
جَوَائِزُ (عوارض) بَيْتِنَا أَرْزٌ،
وَرَوَافِدُنَا (السقف المائل) سَرْوٌ..." [١٦].
بالروح القدس تطلعت الكنيسة إلى عريسها الملك فرأته بحق جميل في محبته وحلو، وكأنها أدركت أن كل جمال فيها إنما يرجع إليه. وكما يقول العلامة أوريجانوس[40]: [يبدو أن العروس قد رأت جمال عريسها بأكثر قرب، وأدركت بعينيها اللتين دعيتا "حمامتين" جمال كلمة الله وعذوبته. فإنه بالحق لا يستطيع أحد أن يدرك أو يتعرف على عظمة سمو الكلمة ما لم يتقبل أولاً عيني حمامة، أي ينعم بالإدراك الروحي].
وكان من ثمرة هذا الإدراك الروحي لجمال الملك العريس وعذوبة أعماله الخلاصية أنها دخلت معه في اتحاد أعمق، وهي بعد مرتبطة بالجسد في هذا العالم، فقالت:
"سَرِيرُنَا أَخْضَرُ" [١٦].
ما هو هذا السرير الذي يُنسب للملك والملكة (سريرنا)، إلاَّ الجسد الذي تستريح فيه النفس، والذي يتقبل سكنى الرب فيه؟ فجسدنا لم يعد بعد ثقلاً على النفس ولا مقاومًا لعمل الله، لكنه تقدس وصار هيكلاً للرب تستريح فيه نفوسنا ويفرح به الرب. فيه يلتقي الله بالنفس البشرية وخلاله تنعم نفوسنا بالشركة مع الله، ويكون لها ثمر الروح... لذلك دعي "أخضر" أي مثمر!
في هذا يقول العلامة أوريجانوس[41]: [بالرغم من أن النفس لا تزال في الجسد لكنها تُحسب أهلاً أن تكون في صحبة كلمة الله... فتمتد القوة الإلهية لتهب الجسد صلاحًا، نزرع فيه نعمة الطهارة والعفة وغيرهما من الأعمال الصالحة].
لا تقل الملكة "سريري" بل "سريرنا" فإن جسدها لم يعد ملكًا لها وحدها، بل ملك للعريس الملك، لذلك دعى الرسول بولس أجسادنا أعضاء المسيح (١ كو ٦: ١٥). لقد حملت أجسادنا انعكاسًا للوحدة الداخلية بين الكلمة الإلهي والنفس.
والسرير الأخضر يعلن أيضًا "سرّ التجسد"، فهو جسد الملك، إذ أخذ الكلمة الإلهي مالنا... أخذ بشريتنا، وحملنا فيه. هكذا نتطلع إلى جسده كسرير لنا، إذ صار لنا فيه راحة، نرى فيه اتحادنا معه! لقد أثمر جسد الرب طاعة للآب عوض عصياننا، ونقاوة عوض نجاستنا، وغلبة على الشيطان وكل جنوده لحسابنا وباسمنا، بل وتعبد للآب باسمنا، مقدمًا ثمارًا جديدة لحساب البشرية!

العاملون في القصر الملكي :

بعد أن تحدثت الملكة عن سرّ اتحادها بالملك، أعلنت مسئولية العاملين في القصر الملكي لحساب هذه الوحدة، فقالت:
"جَوَائِزُ (عوارض) بَيْتِنَا أَرْزٌ،
وَرَوَافِدُنَا (الأسقف المائلة) سَرْوٌ" [١٦].
يرى العلامة أوريجانوس أن الروافد أي الأسقف المائلة التي فوق المنزل والتي تحميه من حرارة الشمس والعواصف والأمطار، إنما هم الأساقفة الذين يعملون بروح المسيح وإمكانياته للحفاظ على المؤمنين، أما الجوائز أي العوارض التي خلالها يتماسك القصر كله فهم الكهنة الذين يخدمون لبنيان أولاد الله. إنه يقول: [أظن إذ يُمارس الأساقفة عملهم الأسقفي في الكنيسة بأمانة يليق أن يلقبوا بالروافد التي تحفظ المبنى كله، وتحميه من الأمطار ومن حرارة الشمس. وأظن أن المكان التالي لهم هم الكهنة الذين يدعون بالجوائز].
ينبغي أن يكون الأسقف من شجر السرو، إذ يمتاز بالآتي:
1. تُعرف شجرة السرو بقوتها العظيمة ورائحتها الجميلة، وكما يقول العلامة أوريجانوس: [في هذا إشارة إلى التزام الأسقف أن تكون له أعمال صالحة ويحمل عبيق نعمة التعليم...]، أي يحمل جانبين: السلوك الروحي المسيحي الحيّ والقدرة على التعليم ونشر رائحة المسيح الذكية، يخدم بحياته وبتعليمه!.
2. يُكنى بأشجار السرو عن القوة والعظمة (٢ مل ١٩: ٢٣؛ إش ١٤: ٨)، ويُقابل اهتزاز أغصانه مع الريح باهتزاز الرماح في الحروب (نا ٢: ٣). كأن الأسقف وهو راع يلزم أن يكون قويًا في روحه وإيمانه يحمل سلطانًا داخليًا بالروح القدس وخلال حياته المقدسة. لأنه إن ضعف أو أضطرب تعثرت الرعية واهتزت وراءه.
3. في بناء هيكل سليمان فرش أرض البيت بأخشاب سرو (١ مل ٦: 15)، وكأن الأسقف وقد أقامه الروح ليكون قائدًا ومدبرًا وراعيًا للشعب يلزم أن يكون متضعًا (مفروشًا في أرض البيت)، يجلس عند أقدام أولاده، يغسل أرجلهم بروح الحب المملوء اتضاعًا! يُقدمه الشعب كرأس يمثل السيد المسيح، أما في قلبه فيرى نفسه في آخر الصفوف يترفق بالضعفاء والمنكسرين والمحتَقَرين... إنه ملتزم أن يَخدِم الكل لا أن يُخدَم من الآخرين.
4. يُستخدم خشب السرو في بناء السفن (حز ٢٧: ٥)، ليعبر بهم خلال بحر هذا العالم إلى الميناء السماوي، كما يستخدم لعمل آلات الطرب (٢ صم ٦: ٥) ليبعث في شعبه روح الفرح والبهجة، ويطفئ عليهم روح الرجاء في المسيح يسوع!
5. يُستخدم خشب السرو في صنع الرماح (نا ٢: ٣) إذ يلزم بالأسقف أن يحفظ الإيمان ضد كل هرطقة أو بدعة.
6. بسبب شدة أرتفاعه يختاره اللقلق ليبني عشه فيه (مز ١٠٤: ٧)، هكذا يرى كل إنسان – حتى غير المؤمنين – في الأسقف الروحي القلب المرتفع نحو السمويات والفكر المنشغل بالأبديات، فيستريح له في المسيح يسوع.
وما قلناه عن الأسقف نقوله أيضًا عن الكاهن، إذ يقول العلامة أوريجانوس: [بنفس الطريقة قيل عن العوارض أنها من الأرز، لكي يظهر الكهنة مملؤين من كل فضيلة عدم الفساد ويكون لهم رائحة معرفة المسيح]، إذ يمتاز الأرز باستقامته ورائحته الطيبة.
والأرز كان يُستخدم في صنع صواري السفن (حز ٢٧: ٥) ليقودوا الشعب إلى الميناء الإلهي، وفي صنع الآلات الموسيقية، يبعثون بروح الفرح في حياة أولادهم. وقد أستخدم في صنع الجزء الداخلي في هيكل سليمان (١ مل ٦: ٢٠) كما في صنع المذبح (١ مل ٦: ١٨)، ليعلم الكاهن أن رسالته هي بناء بيت الرب الداخلي في القلب فلا يهتم بالمظهر الخارجي أو ينشغل في عمل آخر، وأنه إنما يمثل المذبح، لا عمل له سوى أن يحمل إلى شبعه المسيح الذبيح، ويقدم عنهم تقدمة الصلوات. إنه يشهد للصليب ولا يكف عن الصلاة حتى يدخل بالجميع إلى الحياة الأبدية.






[1] Hom. 1:2. A.C.W., vol 26, p. 269.
[2] أساء اليهود إستخدام الخمر فوبخهم الله، وأعلن لهم سوء نتائج التلذذ بالخمر (تك ٩: ٢٠؛ أم ٢٣: ٢٩– ٣٥؛ إش ٢٨: ٧؛ هو ٤: ١١) كما حرمت الشريعة على النذير شربها (عد ٦: ٣؛ قض ١٢: ١٤)، ولم تسمح للكاهن أن يشربها عند دخوله لخدمة المقدس (لا ١٠: ٩).
[3] Hom. on St. John 22.
[4] On the Holy Baptism 38.
[5] On Psalm 91 (90) : 16.
[6] نقلاً عن القداس الإلهي حيث يطلب الكاهن من الشعب: إرفعوا قلوبكم.
[7] On Psalm 38 (37) : 5.
[8] On the Mysteries 6.
[9] On the Holy Spirit 96.
[10] قيدار منطقة صحراوية بسوريا، اسمها يكشف عن سوادها (مز ١٢٠ : ٥؛ تك ٢٥ : ١٣).
[11] سلما Salma، منطقة ملاصقة لقيدار.
[12] On Psalm 140 (139) : 10.
[13] De Myst. 7.
[14] The Holy Spirit 112.
[15] ترجمة الدكتور راغب عبد النور، مجلة الكرازة، السنة الأولى.
[16] Origen: Comm. on Cant. 2 : 1.
[17] يرى القدماء أن كلمة "أورشليم" تعني "رؤية السلام أنظر:
Philo: De Somm. 2 : 250; St. Clem. Alex: Strom: 1 : 29; Origen: In Lib. Jesu. Nav. 21 : 2; Com. On Cant. 2 : 1
[18] Origen: Comm on Cant. 2 : 2.
[19] Ibid 2 : 3.
[20] Com. on Cant
[21] Sermon 2.
[22] Sermons on the N.T. Lessons 88 : 7.
[23] Com. on Cant. 3 : 4.
[24] كلمة إيليا تعني "إلهي".
[25] الترجمه السبعينية.
[26] St. Jerome: Against Jovianianus 1 : 30.
[27] الترجمة السبعينية.
[28] Origen: Com. on Cant. 2 : 6.
[29] الترجمة السبعينية.
[30] Inid 2 : 7.
[31] للمؤلف: المسيح في سرّ الأفخارستيا، ١٩٧٣، ص ١٠٥، ١٠٧.
[32] City of God 10 : 20.
[33] Com. on Cant. 2 : 10.
[34] القمص عبد المسيح النخالي: أضواء على سفر النشيد، ص ٥٨، ٥٩.
[35] لا تزال هذه العادة قائمة في بعض قرى صعيد مصر.
[36] عين جدي هي واحدة على الشاطيء الغربي للبحر الميت، هي مدينة ليهوذا (يش ١٥: ٦٢)، تبعد ٣٥ ميلاً عن أورشليم، يعرف موقعها الآن بتل الجرن.
[37] Hymns on the Nativity 1.
[38] Com. on Cant. 3 : 1.
[39] عظات على فصول منتخبة من العهد الجديد ١٤: ٤.
[40] Com. on Cant. 3 : 2.
[41] Ibid.

الأصحاح الثاني


4


المسيا الحبيب

إن كانت النفس قد تحدثت مع قريباتها عن السيد المسيح كعريس لها، تمدح حبه وتسترسل في وصفه، ثم عادت فتلاقت مع خطيبها الراعي الصالح، وتعرفت عليه كملك يُقيمها ملكة تجلس معه، الآن تنزل معه الحديقة بعيدًا عن كل تكلف أو رسميات يتناجيان معًا في حديث عذب.
أنه يقول لها: إن كان العالم قد جذبك بكل مغرياته، فطلبتيّ ملذاته ومباهجه، فإنيّ أنزل إليك في العالم، وأكون في الأودية بين يديك لتتعرفين عليّ:
"أَنَا نَرْجِسُ شَارُونَ، سَوْسَنَةُ الأَوْدِيَةِ" [١].
شارون سهل في اليهودية، منطقة خصبة جدًا والمياه فيها متوفرة، لكنها لم تُزرع إذ هي مكان ضيق كان يستخدم كطريق بين مصر وسوريا. نرجس هذا السهل من نوع ممتاز، يظهر دون أن يزرعه أحد من البشر أو يتعب فيه. هكذا يظهر حبيبنا في أرضنا، جاء إلينا بنعمته، وليس لبرٍّ فينا.
وفي وسط الأودية القاحلة يظهر الرب كسوسنة، يصفها القديس غريغوريوس أسقف نيصص أنها تصعد مستقيمة إلى أعلى، زهرتها في القمة بعيدة عن الأرض... هكذا جاء الرب إلى أوديتنا القاحلة حتى يرفعنا به إلى فوق ويكون لنا الزهرة السماوية.
جاءت هذه العبارة في الترجمة السبعينية هكذا: "أنا زهرة الحقل (السهل)، سوسنة الأودية". ويعلق العلامة أوريجانوس هكذا[1]: [الحقل هو قطعة الأرض التي تحت الفلاحة، يحرثها الفلاحون، أما الأودية فغالبًا ما تكون أراضي محجرة لم يسبق فلاحتها. هكذا يمكننا أن نفهم بالحقل أو السهل الشعب الذي فلحه الناموس والأنبياء، وبالأودية المحجرة غير المحروثة الشعوب الأممية... هكذا يظهر العريس كالزهرة بين ذاك الشعب، لأن الناموس لم يدخل بأحد إلى الكمال (عب ٧: ١٩)، إذ لم تستطع كلمة الله (في العهد القديم) أن تتقدم بهم ليكونوا زهرة ولا بلغت بهم إلى كمال الثمرة. وفي الأودية التي
هي جماعة الأمم صار هو السوسنة].
السيد المسيح هو زهرة الشعب اليهودي، فقد قاد الناموس إلى المسيح، وهو سوسنة الشعوب الأممية إذ قبلته مخلصًا... أنه مسيح العالم كله: اليهود والأمم.
ويرى القديس چيروم أن زهرة الحقل أو سوسنة البرية (الأودية) إنما هي شخص المسيا الذي نبت في عصا هرون، الزهرة التي نبتت في القديسة مريم، التي وإن كانت في ذاتها لا تحمل حياة لكنها حملت "الحياة" ذاته[2].
يقول أيضًا: [القول بأنه جاء من (البرية)[3] يُشير إلى البتول التي قدمت لنا الله في شكل دون وجود علاقة جسدية أو زرع بشري... فنرنم بكلمات المزمور: "كما في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء أظهر لك في القدس" (مز ٦٣: ١-٢)].
ويقول القديس أمبروسيوس[4]: [مريم هي العصا، والمسيح هو زهرة مريم التي تنتشر رائحة الإيمان به الذكية في العالم كله، إذ يظهر كبرعم في الأحشاء البتولي، إذ قال عن نفسه: "أنا زهرة السهل أو سوسنة الأودية" [١].
إذ تُقطف الزهرة تحتفظ برائحتها، وإذ تُسحق يزداد عبيرها، وإن قطعت إربًا لا تفقد رائحتها. هكذا أيضًا إذ علق الرب يسوع على الصليب لم يفشل حين سُحق، ولا ضعف حين مُزق، وإذ طُعن بالحربة صار أكثر جمالاً بالدم المنسكب منه، وكأنه قد حمل جمالاً جديدًا لا يقدر أن يموت في ذاته (موتًا روحيًا) إنما يهب الأموات عطية الحياة الأبدية. وقد أستقر الروح القدس على هذه الزهرة التي أفرخت في العصا الملوكية].
هذا هو حبيبنا بالنسبة لنا نحن عروسه، لقد حمل بآلامه الرائحة الذكية، يشتَمّها الذين في السهل أي اليهود والذين في الوادي أي جماعة الأمم... أما نحن فماذا بالنسبة له؟
"كَالسَّوْسَنَةِ بَيْنَ الشَّوْكِ، كَذَلِكَ حَبِيبَتِي بَيْنَ الْبَنَاتِ" [٢].
يقول العلامة أوريجانوس[5]: [إذ صار هو سوسنة الأودية إنما لكي تصير حبيبته أيضًا سوسنة تتمثل به... بمعنى أن كل نفس تقترب إليه وتتبع خطواته وتتمثل به تصير سوسنة].
ويرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن النفس كالسوسنة تصعد مستقيمة إلى فوق نحو المسيا كرّامها الحقيقي. إنه يرتفع بها فوق هموم هذه الحياة وأشواك الخطية الخانقة للنفس (مز ٤: ١٨)، ويعلو فوق أتربة هذه الحياة لكي لا تتدنس...
المؤمن في عيني الرب كالسوسنة "الزنبقة" بهية للغاية، ولا سليمان في كل مجده يلبس مثلها، جميلة لا ببرّها الذاتي، بل بنعمة الدم الذي يجري فيها...
إن كان الإنسان قد قبل أشواك الخطية، فأحاطت به من كل جانب، إلاَّ أن الرب يراه كالسوسنة، ينزل إليه ويجتاز وسط الشوك، ويحمل اللعنة عنه!.
في مناجاة الحبيب: "كَالسَّوْسَنَةِ بَيْنَ الشَّوْكِ" توجيه لها أيضًا أنها إن أرادت أن تتجمل بالفضائل يلزمها أن تتحمل آلام الشوك بحذر، وكما يقول القديس أمبروسيوس[6]: [تُحاط الفضائل بأشواك الشر الروحي، حتى أنه لا يقدر أحد أن يجمع الثمر ما لم يقترب بحذر].
ويرى العلامة أوريجانوس في هذا القول صورة صادقة للكنيسة الجميلة وقد أحاطت بها الهرطقات والهراطقة يريدون إبادتها...
ويرى القديس أغسطينوس[7] في هذه العبارة وما يماثلها إعلانًا عن قلة الصالحين الذين يعيشون وسط العالم "كالسوسنة بين أشواك كثيرة" حتى يأتي يوم الحصاد ويفرز السوسن عن الأشواك.

الحاجة إلى الحبيب :

إن كانت النفس البشرية قد صارت كسوسنة بين الأشواك، لكنها لا تنشغل بالأشواك المحيطة بها، إنما بالعريس الذي يشبعها ويرويها ويهبها رائحة... إنها تراه قادمًا إليها، مقتربًا نحوها حتى تقترب إليه، يرتفع على الصليب حتى تستريح بظل محبته الأبدية، ويقدم لها ثمر الصليب حلاوة في حلقها، لهذا تُناجيه، قائلة:
"كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ، كَذَلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ،
تَحْتَ ظِلِّهِ أشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ،
وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ في حَلْقِي" [٣].
إن كانت تعيش وسط الأشواك ولا تقدر أن ترتفع إليه، فهو ينزل إليها، يصير كشجرة التفاح (رمز التجسد الإلهي) بين يديها. لقد حلّ بيننا نحن الوعر بلا ثمر، وصار كواحد منا، لكن ليس بلا ثمر مثلنا، بل كشجرة التفاح: جميلة المنظر، رائحتها منعشة، يؤكل ثمرها، ويُشرب عصيره... إنه شجرة الحياة التي نقتطفها عوض شجرة معرفة الخير والشر.
حقًا، لقد جفت الأرض زمانًا هذا مقداره، لأننا أكلنا من شجرة العصيان، وجاء الحبيب "الابن المطيع"... جاءنا وسط أشواكنا، ودخل إلى آلامنا، وحمل لعنة الشوك عنا، حتى نجلس عند قدميه ونستظل بصليب محبته وسط شدة ضيق هذا العالم.
في العالم أشجار وعر كثيرة نُخالها مريحة لنا، لكن شجرة واحدة – هي شجرة التفاح الروحي – فيها كل الشبع.
إن كانت "شجرة التفاح" تُشير إلى التجسد الإلهي، فإن شجر الوعر يُشير إلى الهرطقات والتعاليم الغريبة، فإنه لا راحة لنا إلاَّ في الكلمة المتجسد وحده، بعيدًا عن كل هرطقة. في هذا يقول العلامة أوريجانوس[8]: [تشتهي العروس أن تجلس تحت ظل شجرة التفاح هذه، بمعنى أن الكنيسة كما قلنا تكون تحت حماية ابن الله، أو أن النفس تهرب من كل التعاليم الغريبة لتلتصق بكلمة الله وحده فتجد ثمرته حلوة في حلقها، خلال التأمل المستمر في ناموس الله، تمضغه وكأنها تجتره كما يفعل الحيوان الطاهر].
في القديم جلس الأمم تحت ظل الموت (إش ٩: ٢؛ مت ٤: ١٦) إذ جلسوا تحت ظل شجرة العصيان، أما الآن فيتمتعون بظل واهب الحياة بجلوسهم تحت ظل صليب الطاعة.
في القديم جلس اليهود تحت ظل الناموس، خلال الفهم الحرفي القاتل. إما الآن فقد وهب لنا أن ندخل تحت ظل المسيح بتذوقنا الفهم الروحي للناموس الذي يبني. وفيما يلي مقارنة للعلامة أوريجانوس بين ظل الناموس وظل المسيح:
[يبدو أن كل نفس ما دامت في هذه الحياة الحاضرة تحتاج إلى ظل، وذلك كما أظن بسبب حرارة الشمس التي تجعل البذار بلا جذور عميقة تذبل وتموت. لقد قدم ظل الناموس القليل من الحماية ضد هذه الحرارة، أما ظل المسيح الذي يعيش تحته الأمم الآن – أي الإيمان بالتجسد – فيُقدم حماية كاملة من الحرارة بل ويطفئها. فقد شوهد (الشيطان) الذي أعتاد أن يحرق المساكين الذين كانوا تحت ظل الناموس ساقطًا من السماء كالبرق وقت آلام المسيح. لكن زمان هذا الظل يكمل في نهاية الدهور، لأنه كما قلنا أنه في نهاية الزمان لا نعود نرى (المسيح) في مرآة ولا في لغز، بل وجهًا لوجه[9]].
القديسة مريم وهي تمثل الكنيسة، كعضو أمثل فيها، جلست تحت ظل العليّ خلال التجسد الإلهي، كقول الملاك لها: "قوة العليّ تظللك، والمولود منك قدوس يُدعى ابن الله..." بهذا صار للمؤمن أن يجلس تحت ظل الرب ويأكل ثمرته الحلوة بعد أن تمرر فمه زمانًا هذا مقداره بسبب الخطية. بعد أن قيل عن نفسه "فمها قبرًا مفتوحًا" (مز ٥: ١١) صارت تفتح فمها لا كقبر يحمل موت الخطية بل بالحري تأكل جسد ابن الله واهب الحياة، وتتذوق حلاوة ثمرته... تقول أيضًا "فتحت فمي واجتذبت ليّ روحًا" (مز ١١٨: ١٣١).
يقول العلامة أوريجانوس[10]: [إن قولها "وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي" ينطبق على النفس التي لا يوجد في فمها شيء ميت أو دنيء، ولا تتشبه مطلقًا بالذين قيل عنهم (حلقهم قبر مفتوح) فإن مثل هذه الأفواه التي تخرج كلمات الموت والهلاك تسمى قبورًا، هذه التي تنطق بكلمات مضادة للإيمان الحقيقي، وتُعارض تدبير الطهارة والعدل والوقار].

في بيت المحبة الكاملة :

إذ تجلس النفس مع حبيبها عند الصليب، وتتذوق حبه اللانهائي، تطلب منه الدخول إلى أحشائه لترتوي من ينابيع حبه العميقة، قائلة:
"أَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتِ الْخَمْرِ،
عَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ،
أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ،
أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ،
فَإِنِّي مَجروّحة حُبّاً" [٤-٥].
سبق أن رأينا "بيت الخمر" هو بيت "الحياة الجديدة"[11] التي صارت لنا خلال آلام السيد المسيح الخلاصية. ويرمز بيت الخمر إلى "بيت الوليمة والحكمة"، حيث تدخل النفس إلى السيد المسيح وتنال عصير تعاليم الحق ومزيجها في أناء الحكمة الإلهية، تنتعش به النفس جديدًا كل يوم... إذ تتعرف على أسرار الله كأنها جديدة كل يوم.
في هذا يقول العلامة أوريجانوس[12]: [أما الخمر الذي يستخرج من الكرمة الحقيقية "السيد المسيح" فهو جديد على الدوام، به يتجدد فهم المتعلمين للمعرفة الروحية والحكمة على الدوام لهذا السبب قال يسوع لتلاميذه: سأشرب هذا الخمر معكم جديدًا في ملكوت أبي (مت ٢٦: ٢٩)، لأن فهم الخفيات وإعلان الأسرار يتجدد على الدوام خلال حكمة الله، وذلك ليس فقط بالنسبة للبشر، بل أيضًا بالنسبة للملائكة والقوات السمائية].
إذ يدخل الرب المحب بالنفس المؤمنة إلى بيت محبته ويكشف لها أسرار حكمته الجديدة كل يوم، تتفهم "المحبة" كعلامة نصرة حبيبها وملكها فتُقيم "علم النصرة" فوقها، قائلة: "َعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ". لقد ملك عليها بالحب تمامًا. إلاَّ أن الترجمة السبعينية لهذا العبارة جاءت هكذا:
"ضع في تدبير المحبة" [٤].
إذ تدخل النفس بيت حبيبها تلتزم بقانون بيته ألا وهو "المحبة"، لكنها إذ لا تقدر أن تطبقه بذاتها تسأله أن يقوم بنفسه بتدبير حياة الحب فيها أي تتسلم من الله "الحب الحقيقي" قانون محبته، فتعرف كيف تحب الله والوالدين والأخوة... الخ.
الحب له تدبيره الخاص، فالإنسان يلتزم أن يحب الله من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة... أي يحب بغير حساب وبلا حدود. ويلتزم الإنسان أن يحب قريبه كنفسه (لخلاصها) وحبه لأخيه يكون محبته قد فقدت تدبيرها الحسن. يلتزم الإنسان أن يحب الوالدين خلال تكريمه لهما في الرب عمليًا، كما يلتزم الزوج بحب زوجته بطريقة تختلف عن حب الأبناء للوالدين، وغير حب الرعاة لشعبهم. حقًا في "بيت الحب" تنال طبيعة الحب الواحدة من مصدرها "الله نفسه" لكننا نلتزم أن نتعرف أيضًا على قانون الحب العملي[13].
تعود النفس تصرخ معلنة حاجتها إلى "المحبة" قائلة:
"أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ (الأطياب)[14]،
أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ،
فَإِنِّي مجروحة ٌحُبّاً" [٥].
إذ دخلت النفس "بيت المحبة الإلهية" وتسلمت من الله تدبير الحب، تعلن أنها قد صارت مجروحة حبًا يستحيل أن تكون هذه الجراحات خاصة بحب جسداني، فأنه حسب التقاليد الشرقية لا يليق بالمحبوبة أن تقول أنها مجروحة حبًا بل للرجل وحده. هذا ومن جهة أخرى كيف تطلب المحبوبة من آخرين – غير حبيبها – أن يسندوها أو ينعشوها؟! هل يمكن لأقراص الزبيب أو الأطياب أو التفاح أن تضمد جراحات الحب أو تشفي مرضه؟
إنها صرخات النفس داخل الكنيسة "بيت المحبة"، إذ تطلب من خدام المسيح أن يسندوها بأقراص الزبيب أو الأطياب التي هي التعاليم الإلهية المعزية التي تسكب حب المسيح في الداخل، وتفيح رائحته الذكية. إنها تطلب التفاح الذي هو رمز للجسد المقدس، فهو سرّ انتعاشها الروحي! إذ هو وحده يقدر أن يشبع القلب حبًا، ويهب النفس تدبير حب حسن ولائق.
أما سرّ جراحات النفس بالحب، فكما يقول العلامة أوريجانوس[15] هو المسيح نفسه، الذي هو كلمة الله الحيّ الفعّال، الأمضى من سيف ذي حدين، يدخل إلى أعماق النفس ويجرحها بالحب الإلهي وفيما يلي بعض تعليقات للآباء على هذه العبارة.
v ليت غير الأصحاء يجرحون، فأنهم إذ يجرحون كما يليق يصيرون أصحاء!
القديس أغسطينوس[16]
v يعلمنا الكتاب المقدس أن الله محبة (١ يو ٤: ٨)، فقد صوب ابنه الوحيد "السهم المختار" (إش ٤٩: ٢) نحو المختارين، غارسًا قمته المثلثة في روح الحياة.
رأس السهم هو الإيمان، الذي يربط ضارب السهم بالمضروبين به، وكأن النفس ترتفع بمصاعد إلهية، فترى في داخلها سهم الحب الحلو يجرحها. متجملة بالجروح...
إنه جرح حسن وألم عذب، به تخترق "الحياة" النفس. إذ بواسطة دموع "السهم" تفتح النفس الباب الذي هو مدخلها...
القديس غريغوريوس أسقف نيصص[17]
v إن التهب أحد ما في أي وقت بالحب الصادق لكلمة الله، أن تقبل أحد الجراحات الحلوة لهذا "السهم المختار" كما يسميه النبي، إن كان قد جُرح أحد برمح معرفته المستحقة كل حب حتى أنه يحن ويشتاق إليه ليلاً ونهارًا، فلا يقدر أن يتحدث إلاَّ عنه، ولا ينصت إلاَّ إليه، ولا يفكر إلاَّ فيه، ولا يميل إلى أي رغبة أو يترجى سواه، متى صار الأمر هكذا تقول النفس بحق: "أنيّ مجروحة حبًا". إنها تتقبل جرحها من ذاك الذي تقول عنه: "جعلني سهمًا مختارًا، وفي جعبته يخفيني" (إش ٤٩: ٢).
يليق بالله أن يضرب نفوسنا بجرح كهذا، يجرحها بمثل هذه السهام والرماح، يضربها بمثل هذه الجراحات الشافية...
ما دام الله "محبة"، فإنهم يقولون عن أنفسهم: "أنيّ مجروحة حبًا". أحقًا أنها دراما الحب إذ تقول النفس: أنيّ تقبلت جراحات الحب!
النفس التي تلتهب بالشوق نحو حكمة الله، أي التي تقدر أن تنظر جمال حكمته، تقول بنفس الطريقة: "أنيّ مجروحة بالحكمة". والنفس التي تتأمل سمو قدرته، وتدهش بقوة كلمته، يمكنها القول: "أنيّ مجروحة بالقدرة". أظن أن مثل هذه النفس هي بعينها التي قالت: "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن أجزع؟!" (مز ٢٦). والنفس التي تلتهب بحب عدالة الله وتتأمل عدل تدابير عنايته تقول بحق: "أنيّ مجروحة بالعدل". والنفس التي تتطلع إلى عظمة صلاحه وحنو محبته تنطق أيضًا بنفس الطريقة. أما الجرح الذي يشمل هذه الأمور جميعها فهو جرح الحب الذي به تعلن العروس: "أنيّ مجروحة حبًا".
العلامة أوريجانوس[18]
هذه هي جراحات الحب التي جُرحت بها النفس بواسطة "السهم المختار"، السيد المسيح، الذي بمحبته يضع شماله تحت رؤوسنا حتى يوجهها بعيدًا عن الزمنيات، قاطعًا فينا كل محبة للأرضيات وبيمينه يجتذبنا نحو السمويات، لهذا تُناجيه النفس هكذا:
"شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي" [٦].
بمعنى آخر، بشماله يؤدب، فتصغر أمامنا الحياة الزمنية وكل ملذات الجسد والعالم، وبيمينه يترفق إذ يفتح القلب أمام السمويات فتشتهيها. على أي الأحوال، يضع الرب تأديباته تحت رؤوسنا، إذ بدونها لا تكون رؤوسنا متزنة، ويحوط رؤوسنا بيمينه حتى تمتلئ قلوبنًا رجاءً فيه! هذه هي جراحات الحب الإلهية الصادقة الشافية.
إذ دخلت النفس إلى بيت المحبة الإلهية، وجرحت بالسهم الشافي، تتلمس محبته اللانهائية سواء في تأديباته أو حنوه، وتشعر خلال الأمرين (التأديب والحنو) كأن رأسها متكئة على شماله ومحوطة بيمينه، بهذا يصير كيانها كله في أحضانه الإلهية أما وجهها فيصير قبالة وجهه، تتقبل كل قبلات فمه الإلهية... لهذا فهي تحرص ألا يقطع أحد هذه الشركات العميقة، إذ تقول:
"أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ (قوى) الْحُقُولِ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ..." [٧].
كأنها قد حملت مشاعر الرسول بطرس حين أنسحبت أعماقه بالكامل نحو السيد المسيح المتجلي أمامه، فقال: "يا رب جيد أن نكون ههنا" (مت ١٧: ٤).
بالتأكيد، هذه العبارة لا يمكن أن تنطبق على الحب الجسداني، إذ كيف تطلب الحبيبة من صديقاتها ألا ييقظن الحبيب؟! وهل هذا هو عملهن؟! لكنها صورة رائعة للكنيسة الأم التي تطلب من أبنائها "بنات أورشليم" أن يبقين في الأحضان الإلهية، ولا يزعجن الرب المستريح في قلوبهم بارتكابهن شرًا أو خطية! أنه صوت الكنيسة الأم تجاه كل نفس مؤمنة تدعى "ابنة أورشليم" تتطلع إلى أورشليم السمائية كأم لها، تحلفها بقوى حقلها الداخلي الذي باركه الرب! (تك ٢٧: ٢٧)، إذ هي فلاحة الرب (١ كو ٣: ٩) أن تبقى محتضنة الحب الإلهي الساكن فيها[19].
ولعله أيضًا صوت الكنيسة الموجه إلى جماعة اليهود "بنات أورشليم" التي رأت المسيا نائمًا على الصليب، مدفونًا في القبر ألاَّ تضطرب من هذا فتنكر الإيمان به، فإنه وإن ظهر كما في ضعف لكنه يقوم متى شاء، في اليوم الثالث. لقد نام على الصليب بإرادته، ويقوم أيضًا بإرادته، إذ يقول:
"ليّ سلطان أن أضعها وليّ سلطان أن آخذها"، لكن بكل أسف رفض اليهود قبول السيد المسيح المصلوب منتظرين مسيحًا حسب أهواء قلوبهم.




الفصل الثاني





الخاطب يطلب خطيبته


1. ينزل إليها بنفسه .
2. يحذرها من الواشين .
3. وليمة العرس .








1
ينزل إليها بنفسه
"صَوْتُ حَبِيبِي (ابن أختي)، هُوَذَا آتٍ ظَافِراً عَلَى الْجِبَالِ،
قَافِزاً عَلَى التِّلاَلِ،
حَبِيبِي (ابن أختي) شَبِيهٌ بِالظَّبْيِ أَوْ بِصغيرِ الآيل،
هُوَذَا وَاقِفٌ وَرَاءَ حَائِطِنَا،
يَتَطَلَّعُ مِنَ الْكُوى،
يبرق خلال الشَّبَابِيكِ" [٨-٩].
تتحدث كنيسة الأمم مع الشعب اليهودي في عتاب لطيف، فتقول لهم: لقد تعرفت على "كلمة الله" أو صوت الحبيب، الذي جاء متجسدًا خلال اليهود (ابن أختي)، عرفته خلال جبال الشريعة التي تسلمتموها وتلال النبوات التي بين أيديكم. لقد جاءني ظافرًا بفرح وسرور خلال الشريعة والنبوات، لكن في ملء الزمان جاءني بنفسه كالظبي حاملاً طبيعتنا، مختفيًا وراءها – واقفًا وراء حائطنا – يتحدث معنا مباشرة.
لقد تقبلت رسالة تجسده خلال كوى الشريعة وشبابيك الأنبياء... لقد عرفت صوته وأمكنني أن أميزه (يو ١٠: ٣-٤).
في هذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [لقد بلغ بهاء (الكلمة) إلى الكنيسة عن طريق الأنبياء أولاً. أخيرًا بإعلان الإنجيل زالت ظلال الرموز بتمامها وانهدم الحائط الحاجز، واتصل جو البيت الداخلي بنور أعالي السموات، لم تعد هناك حاجة لنور الشبابيك ما دام النور الحقيقي قد أضاء كل الداخل بأشعة الإنجيل].

لقاء على الجبال :

إن كانت الكنيسة قد تعرفت على كلمة الله المتجسد خلال شريعة العهد القديم والنبوات، فقد جاء الحديث هنا بمثابة دعوة موجهه لكل نفس لكي ترتفع بالروح القدس على جبال الكتاب المقدس لتلتقي هناك بالخطيب القادم يخطب مخطوبته. لهذا يقول المرتل: "أساساته في الجبال المقدسة"، "رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عونيّ" (مز ٨٦: ١؛ ١٢٠: ١).
ويرى العلامة أوريجانوس أن النفس التي تُريد الالتقاء مع "كلمة الله" الظافر على الجبال القافز على التلال في كمال الحرية يلزمها أن تلتقي به على جبال أسفار العهد الجديد الحالقة وفوق تلال أسفار العهد القديم التي بقيت زمانًا طويلاً مختفية وغير مدركة.
في سفر إرميا نجد الرب يُرسل قانصين وصيادين ليقتنصوا البشر على كل جبل وفوق كل تل (إر ١٦: ١٦)، وكأنها نبوة عن العمل الكرازي الذي للكنيسة، حيث تصطاد الكنيسة النفوس خلال الكتاب المقدس لتتمتع ببركات الخلاص.
على هذه الجبال المقدسة تلتقي النفوس بكلمة الله، فتراه الخاطب الذي يطلب يدها. هناك تسمع صوت دعوته لها فتختبر حبه وتتكشف أسراره الإلهية وتعاين مجده.
كأن النفس ترتفع مع موسى النبي على جبل حوريب فترى العليقة المتقدة نارًا ولا تحترق (خر ٣: ٢)، تدرك سرّ التجسد الإلهي، إذ ترى العذراء مريم (العليقة) وقد حملت جمر اللاهوت ولم تحترق...
أقول أنها تصعد أيضًا مع موسى على الجبل لتتسلم الشريعة الإلهية ليست منقوشة على لوحين من الحجارة، بل يسكن كلمة الله نفسه في قلبها!.
أو كأنها تجلس مع الجموع لترى يسوعها صاعدًا على الجبل، يفتح فاه ويتحدث معها مباشرة وبلا حواجز (مت ٥: ١)، أو ترتفع معه على جبل تابور ليتجلى أمامها وتدرك بهاء لاهوته وتسمعه يتحدث مع موسى وإيليا عن الأمور الخاصة بأحداث خلاصها. أو كأنها تتسلق مع "كلمة الله" على جبل التجربة، لتراه يُجرب ويغلب من أجلها!
بهذا تفهم النفس المؤمنة لماذا دعى السيد المسيح نفسه بالحجر المقطوع من جبل بغير يد، وقد صار جبلاً عظيمًا (دا ٢: ٤٣)، ولماذا دُعيت الكنيسة أيضًا جبل صهيون إشارة إلى سكنى الله الساكن في الأعالي مع شعبه. إنها تنصت لقول الملاكين للوط: "أهرب بحياتك... أهرب إلى الجبل لئلا تهلك" (تك ١٩: ١٧).

تشبهه بالظبي وصغار الآيل :

بماذا تُشبه العروس خطيبها؟
"حَبِيبِي (ابن أختي) شَبِيهٌ بِالظَّبْيِ أَوْ بِصغيرِ الآيل على جبال بيت آيل[20]" [٩].
1. يُشبه السيد المسيح بالظبي (الغزال)، وكلمة "ظبي" في العبرية تعني "جمال"،
فقد جاء السيد المسيح يطلب يد البشرية التي أفسدتها الخطية وشوهت طبيعتها الداخلية وجمالها الروحي، ليتحد بها فيسكب جماله عليها. وقد لخص الرب هذا العمل الخلاصي العجيب في حديث عتاب مع البشرية، جاء فيه: "َمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ فَقُلْتُ لَكِ بِدَمِكِ عِيشِي.... جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ وَنَبَتَ شَعْرُكِ، وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ وَحَلَفْتُ لَكِ وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِيّ. فَحَمَّمْتُكِ بالْمَاءِ وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ وَمَسَحْتُكِ بالزَّيْتِ، وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزّاً، وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقاً فِي عُنُقِكِ، وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطاً فِي أُذُنَيْكِ، وَتَاجَ جَمَالٍ عَلَى رَأْسِكِ. فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ وَجَمُلْتِ جِدّاً جِدّاً فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ لأَنَّهُ كَانَ كَامِلاً بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حز ١٦: ٦–١٤).
حقًا ما أروعه حديث من الرب المخلص نحو الكنيسة التي ضمها إليه بعد أن مرّ عليها فوجدها ملقاة في الطريق عارية ومدوسة بدمها، فقدسها بالتمام. بسط ذيله عليها، أي خطبها عروسًا له، وستر بدمه عارها وعريها، غسلها بماء المعمودية ومسحها بدهن الميرون، وألبسها حياته، وأعطاها إنجيله سرّ خلاصها، زينها بأعمال الروح القدس، ووضع نيره المقدس كالطوق في عنقها، وأفاح برائحته الذكية تشتمها أنفها، وقدس أذنيها وجملهما بسماع الوعود الإلهية والتسابيح السماوية، وأشبعها بالخبز السماوي وباختصار جعلها "جميلة جدًا جدً" فاستحقت أن تكون ملكة، تعكس بهاء المخلص في حياتها.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سفر نشيد الانشاد تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
† منتدى القديسة مارينا أميرة الشهيدات † :: +†+ الكتاب المقدس +†+ :: † تفسير الكتاب المقدس العهد القديم †-
انتقل الى: